الإستدامة البيئية

تعرف الاستدامة بأنها دراسة كيفية عمل الانظمة الطبيعية، والتنوع وإنتاج كل ما تحتاجه البيئة الطبيعية لكي تبقى متوازنة. كما تقر الاستدامة بأن الحضارة البشرية توفر مصادر لاستدامة طريقة عيشنا المعاصرة. وهناك الكثير من الامثلة عبر تاريخ البشرية حيث عملت الحضارات على تدمير بيئتها وأثرت بشكل خطير على فرص البقاء. وتأخذ الاستدامة بالاعتبار كيف نعيش باتساق مع عالم الطبيعة وحمايته من التدمير والإتلاف.

إننا نعيش في عالم حديث متحضر حيث نستهلك الكثير من الموارد الطبيعية يوميا. وفي مراكز المدن، نستهلك الكثير من الطاقة أكثر مما نستهلكه في الأرياف، حيث تبقى الاضواء في المدن مضيئة، ويتم استخدام المعدات والأجهزة الكهربائية وغيرها من المعدات التي تحتاج إلى الطاقة الكهربائية. ولا يهدف ذلك الى القول بأن العيش المستدام يجب أن يركز فقط على الناس الذين يعيشون في المدن، بل يجب إجراء تحسينات في كل مكان وأن هذا يحتاج إلى إجراء تغييرات للمحافظة على استدامة هذه الموارد.

فالاستدامة البيئية تعني التغيير في البيئة الطبيعية والتغيير في توازن البيئة يعتبر من السمات الثابتة للحياة على وجه الأرض التي وهبها الله سبحانه وتعالى للخلق لكي نتعامل معها بايجابية والعمل على حماية الحقوق للأجيال المقبلة ، لكن سرعة وحجم التغييرات الحالية هو ما يهدد البيئة ،فأصبحت الأنشطة البشرية مؤخراً تستنفذ موارد البيئة الطبيعية، وهو الأمر الذي يهدد بقاء الإنسان واستمراريته على المدى الطويل في حال عدم تطبيق طرق الاستدامة البيئية، يقول الخبير البيئي بروفيسور راشد مكي الامين العام للمجلس الاعلى للبيئة والموارد الطبيعية ان الاستدامة تساعد على ضمان تلبية احتياجات السكان الحاليين مع الحفاظ على احتياجات الأجيال القادمة دون التأثير عليها وتتمتع البيئة بقدرة طبيعية هائلة على التجدد، يمكنها حماية نفسها والمحافظة على مواردها.

لجنة الأمم المتحدة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية  وضعت تعريف كالاتي : إن الاستدامة هي القدرة على تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم الخاصة، وقد تم توسيعه على مر السنين ليشمل احتياجات الانسان ورفاهيته، فإمكانية بقاء الإنسان لعدة أجيال قادمة على هذا الكوكب مرتبطة بمدى حفاظه على الطبيعة ومواردها. وتركز الاستدامة البيئية على التوازن بين احتساب الاحتياجات، وحاجتنا إلى استخدام التكنولوجيا وبشكل اقتصادي، والحاجة إلى حماية البيئات  الطبيعية التي نعيش فيها. ولا ترتبط الاستدامة بالبيئة فقط، بل إنها تتعلق بصحة المجتمعات وصحة الانسان وضمان عدم تعرض الناس إلى المعاناة بسبب التشريعات البيئية، مع ضرورة اختبار التأثيرات بعيدة الامد للأفعال التي تقوم بها البشرية، وطرح اسئلة حول: كيف يمكن تحسين الوضع.

ايضاً الاستدامة هي القدرة على تحسين نوعية حياة الإنسان أثناء عيشه ضمن القدرة الاستيعابية للأنظمة البيئية الداعمة للأرض، وهذا التعريف تم وضعه من قبل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، وقد جاء بسبب أنماط الإنتاج والاستهلاك العالمية التي تدمّر الطبيعة بمعدلات مستمرة ومرتفعة بشكل خطير؛ فزيادة اعتماد الإنسان على الموارد الطبيعية مع زيادة عدد السكان غيّر التوازن الطبيعي للطبيعة، وأثّر سلباً على كل من البشر والأنظمة الحية الأخرى، وسبّب انخفاض الموارد الطبيعية الموجودة فيها.

ويذهب عالم البيئة بول هوكين إنّ الاستدامة هي الحفاظ على التوازن في علاقة الإنسان بعالم الكائنات الحية على الأرض، وبيّن أن الإنسان يستخدم موارد الأرض ويدمّرها بشكل يفوق قدرتها على التجدّد ،وهناك أدلة علمية كثيرة على أن البشرية تعيش بطريقة غير مستدامة وأنّ تدخل الإنسان في البيئة واستخدامه لمواردها الطبيعية أدى إلى إلحاق الضرر بها، وظهور العديد من المشاكل البيئية الخطيرة ،على سبيل المثال تأثير غازات الدفيئة، وإزالة الغابات، والاحترار العالمي، وانتاج النفايات، وتلوث الماء والهواء والتربة، وأن إعادة الاستخدام البشري للموارد الطبيعية إلى داخل الحدود المستدامة يتطلب جهدًا جماعيًا كبيرًا.

منذ بدء الخليقة، ووصولا إلى الثورة الزراعية وربما قبل ذلك، كانت البشرية مستهلكة أكثر منها كمنتجة للموارد البيئية. وبدءا من المجتمعات البدائية التي كانت تتنقل من مكان إلى آخر بحثا عن موارد العيش في المواسم، وقبل إنشاء المجمعات السكنية، كانت تعود إلى نفس المكان في كل عام، وقد أدى التطور إلى زيادة في الاستيطان والاستقرار، حيث حلت الزراعة بدلا من الرعي، وتطور ذلك إلى بناء الفرقان والقرى  والمدن التي أخذت تمارس الضغط بشكل أكثر على البيئة.

ومن المعروف بأن الكثير من المجتمعات قد انهارت بسبب عدم القدرة على التكيف مع الظروف التي فرضت نتيجة لممارسات عدم الاستدامة. ومن الامثلة على ذلك قطع الاشجار والتوسع في الزراعة على حساب الموارد الأخرى أو الفشل في مواكبة التضخمات الطبيعية والتغير المناخي.

ورغم أن بعض فلاسفة الحضارة والتنوير عبروا عن قلقهم بشأن الموارد وزيادة السكان وما إذا كان ذلك يمكن استدامته على المدى البعيد، إلا أن هؤلاء الباحثين والفلاسفة لم يتلقوا تقبلا جديا في ذلك الوقت ولم يتجاوز ذلك أكثر من فرضيات. وحدث الأمر في القرن العشرين قبل أن ندرك تأثيرنا على البيئة والأضرار التي نتسبب بها، والتلوث، وإنجراف التربة وقطع الأشجار، وانبعاثات الغازات وقضايا بيئية أخرى أدت إلى زيادة الاهتمام بالبيئة والأضرار التي قد تحدث لنظام الطبيعة.

إن سبل العيش باستدامة أكثر يمكن أن يأخذ أنماطا عديدة بدءًا من إعادة تنظيم الأوضاع المعيشية على سبيل المثال، الاعتماد على المنتجات الطبيعية وتطويرها ،القرى الصديقة للبيئية،  والمدن الخضراء وإعادة تقييم القطاعات الاقتصادية الزراعة  والانتاج الحيواني والطاقة والتعدين ، التخطيط والتنمية العمرانية ، المباني الخضراء  ، ممارسات العمل الجيدة، الهندسة المعمارية المستدامة وذلك باستخدام العلم لتطوير تقنيات جديدة ،تقنيات بيئية، وطاقات متجددة لإجراء تعديلات في أنماط الحياة الفردية التي تحافظ على الموارد الطبيعية.

د. جلال محمد يس

galalyassin@gmail.com