أجازة القوانين البيئية.. انتصار طال انتظاره وخطوات مرتقبة

بقلم المستشار / ياسر أحمد صالح

شكلت إجازة مجلس الوزراء لاثنين من مشروعات القوانين البيئية المهمة دافعاً قوياً لكتابة هذا المقال، لأن تلك الخطوة تمت تتويجاً لجهودالمختصين والمهتمين بمجال البيئة والموارد الطبيعية، وأتت خلاصة لعمل جبّار استمر سنواتٍ طويلة بلا كلل أو ملل أو الخضوع لليأسوالاستسلام.

ومؤخراً احتفل البيئيون والمهتمون بالتنمية المستدامة بقرار مجلس الوزراء الانتقالي بإجازة “مشروع قانون الحصول على الموارد الوراثيةوتقاسم المنافع الناشئة عن استخدامها لسنة 2021م” إجازة “مشروع قانون التصديق بالإنضمام لاتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق لسنة2021م”.

احتفال فوق المتوقع

والاحتفال فوق المتوقع بتلك الخطوة الإجرائية الهامة يذكرنا بالكيفية التي يحتفل بها الرياضيون هذه الأيام بصعود منتخب السودان القوميلكرة القدم إلى نهائيات الأمم الأفريقية القادمة التي ستقام في الكاميرون، وهو إنجاز تحقق بعد غياب طويل من هذه المنافسة التي تكررخروجنا منها في مرحلة التصفيات التمهيدية، واكتسب الصعود ألقاً خاصاً باقتناص هذا التأهل من بين براثن منتخب جنوب أفريقيا العريقعقب الفوز عليه في المباراة التي خاضها مدججاً بنجومه وبفرصتي التعادل أو النصر، بينما لعب السودان بفرصة الفوز فقط ونال البطاقةالتي أمنت مقعده في التصفيات النهائية للبطولة، ولكن الاحتفالات التي توالت منذ ذلك الحدث وحتى هذه اللحظات توحي للناظرين بأنهابمناسبة فوز السودان بالبطولة للمرة الثانية منذ فوزه الوحيد بها في العام 1970م وليس مجرد الوصول للمراحل النهائية بها، حيث كانت آخرمشاركة له فيها في العام 2012م.

ويحق لمحبي كرة القدم في السودان المبالغة في التعبير عن الفرح بعد الانتظار الطويل لبلوغ هذه المرحلة والصعوبات التي أعاقت تحقيق هذاالهدف مع وجود كل مقوماته ومبرراته والجهد المبذول الذي أثمر هذا النجاح بعد فترة طويلة من الترقب والانتظار التي تماثل الفترة التيانتظرها البيئيون والمهتمون بالموارد الطبيعية والتنمية المستدامة لإجازة هذين القانونين منذ اكتمال الصياغة التشريعية لهما بناءً علىالدراسات الفنية التي دعت لضرورة التعجيل بإصدارهما كقانونين ملزمين ووضعهما موضع التنفيذ الفوري واتخاذ الترتيبات اللازمة لذلك.

التعامل مع الزئبق

والقانون الخاص بالتصديق بانضمام السودان لاتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق يسمح للسودان بالتعامل مع الاتفاقية العالمية التي تنظمالتعامل مع الزئبق والتخلص منه ومن آثاره الضارة على الإنسان والبيئة، وكما هو ظاهر للعيان فقد انتشر الاستخدام غير المرشد للزئبق فيالتعدين في كل أنحاء السودان بصورة جعلت من وجود نعمة المعادن نقمة أفرزت تلوثاً بيئياً غير مسبوق أضر بصحة الإنسان والحيوانومجاري الأنهار ومنابع المياه والتربة. وإنفاذ الاتفاقية على الصعيد الوطني يتطلب تضافر الجهود لإيجاد البدائل المناسبة والتخلص منالزئبق الموجود حالياً والتعامل الراشد معه ومع مخلفاته وآثاره بصورة تضمن حاضرنا ومستقبل الأجيال، وهو أمر يتطلب التعاون الدوليوالدعم الفني والمالي الذي يتوفر للدول الأطراف في الاتفاقية.

السودان والموارد الوراثية

أما القانون الآخر الذي تمت إجازته “قانون الحصول على الموارد الوراثية والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها لسنة2021م” فيمثل استجابة السودان لالتزامه بوضع التدابير التشريعية والمؤسسية لتنفيذ “بروتوكول ناغويا بشأن الحصول على الموارد الوراثيةوالتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها الملحق باتفاقية التنوع الحيوي”، وهو البوتوكول الذي تم الاتفاق عليه في مؤتمرالأطراف العاشر بمدينة ناغويا في اليابان 2010م لتحقيق الهدف الثالث من أهداف الاتفاقية.

ويعتبر البروتوكول أداة دولية مهمة للحفاظ على الموارد الوراثية وتطويرها واستخدامها نظراً لطبيعته القانونية الملزمة وابتكاراته الهامة في هذاالمجال.

وقد كان السودان من أوائل الدول التي صادقت على هذا البروتوكول حيث أصبح طرفاً فيه منذ تاريخ دخوله للنفاذ في 2014م استشعاراً منهبأهمية الاستفادة من موارده الوراثية والمعارف التقليدية المرتبطة بها وحمايتها من القرصنة البيولوجية وتقاسم المنافع الناشئة عناستخدامها مع مستخدمي هذه الموارد، ولكنه لم يوفق في وضع قانون لترجمة ذلك الالتزام مع أن “الاستراتيجية وخطة العمل الوطنية للتنوعالحيوي 2015 -2020م” شجعت على ضرورة الإسراع في وضع قانون وطني للحصول على الموارد الوراثية والمعارف التقليدية المرتبطة بهاوتقاسم المنافع الناشئة عن استخدامها، واكتملت صياغة مشروع القانون المقترح منذ العام 2017م بعد تشاور عريض شمل كل القطاعاتوالجهات ذات الصلة في إطار المشروع العالمي الذي نفذه المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية بالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائيUNDP بتمويل من المرفق العالمي للبيئة GEF من أجل بناء القدرات المؤسسية والتشريعية لإنفاذ بروتوكول ناغويا.

رفع الوعي والشراكة في التنفيذ

ومثلما ينبه المختصون في المجال الرياضي إلى أن الوصول إلى النهائيات في البطولات فرصة تستحق الفرح وتستوجب بذل الجهدلاغتنامها، يتعين تذكير البيئيين بأن إجازة هذين القانونين تُعدّ منعطفاً كبيراً وخطوة عظيمة في سبيل تقنين العمل البيئي، وهي بداية مرحلةوليست نهاية رحلة ووسيلة لتحقيق غاية وهدف أكبر يتمثل في ضرورة الحرص على تطبيق وفاعلية هذه القوانين البيئية التي تتطلب رفعالوعي بها وبأهدافها وأحكامها وإشراك الجمهور في إنفاذها وبناء القدرات اللازمة لتطبيقها، فهي تمثل نقطة انطلاق حقيقية للاستفادة منالموارد الطبيعية والمعارف التقليدية بصورة متوازنة.

قانون فاعل

ويجب ألّا يشغلنا الاحتفال بما تحقق من إنجاز عن غاياتنا لأن هدفنا ليس التباهي بوجود قانون، بل الهدف النهائي هو وجود قانون بيئيفاعل مُحقِّق للغاية التي تم تشريعه من أجلها تماماً، مثلما نريد أن يتذكر الجميع أن الهدف هو الفوز بكأس البطولة وليس الوصول إلىمراحلها النهائية فقط، ونرجو أن تتضافر الجهود لذلك منذ الآن آخذين في الاعتبار أن “مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.

*خبير قانوني بيئي ومستشار بالمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية

إيميل yasalih71@hotmail.com